المرونة الانفعالية Emotional flexibility
الرئيسية مدونة مطمئنة
2024-11-03 الكاتب: أ.منار الخويطر
المرونة الانفعالية Emotional flexibility

المرونة الانفعالية Emotional flexibility


 

بما أن الحياة قائمةٌ على التبدل والتغيّر المستمر، كان لِزامًا علينا أن نخرج بطريقةٍ للتعامل مع كلِّ فوْرة مشاعر تُخلفها التغيرات السريعة والظروف الصعبة.

‏لذا كانت المرونة الانفعالية Emotional flexibility ركيزةٌ أساسية لقدرتنا على التكيف وتجاوز كلَّ شعور أو ظرفٍ ما، فالحياة تتضمن أحداثًا متغيرة باستمرار في بيئتنا وعلاقاتنا، والتكيف السريع والكافي مع هذه التغيرات أمرٌ حيوي ومهم.

 

تنشَق المرونة الانفعالية من المرونة كمفهومٍ عام، إلا أنها تُركز على التعامل مع المشاعر والانفعالات خصيصًا، عندما يكون الشعور حَجرٌ عائق عن استمرارية الحياة.

 

ولهذا فقد ركّزت الأبحاث الحديثة على مسألة المرونة الانفعالية، والقدرة على الاستجابة بمرونة للأحداث المختلفة وتنظيم المشاعر بشكل فعّال، فالأفراد الذين يتمتعون بقدر أكبر من المرونة الانفعالية لديهم استجابات وردود فعل مناسبة لسياق كل حدث. حاجتنا إلى تحقيق التوازن في تنظيم الانفعالات أمر جوهري للحصول على نتائج صحية نافعة عند مواجهة الضغوط.

 

إحدى هذه الدراسات وضحت العلاقة ما بين المرونة الانفعالية والتعافي من الألم، حيث تم قياس المرونة الانفعالية من خلال عرض وتبديل صور إيجابية و أخرى سلبية تحفّز الألم. بعد ذلك تم قياس تحمّل الألم والاستجابات الانفعالية من خلال: تعابير الوجه، ومعدل ضربات القلب، وبعض الاستجابات المنطوقة، والمدة الزمنية التي يتلاشى فيها الشعور بعد انتهاء التجربة.

المشاركين ذوي المرونة العالية كانوا قادرين على تبديل استجاباتهم الانفعالية بتناسبها مع سياق المحفزات، كما أن استجاباتهم ارتبطت بقدر أقل من الحساسية تجاه الألم المُحفّز، واجترار وانصهار أقل مع الألم، إذ ترتبط هذه الاستراتيجيات بتنظيم انفعالي فعّال يزيد من المرونة الانفعالية.

 

إحدى الأطباء الذين يتعاملون مع مرضى الآلام المزمنة (العضوية) لاحظ أن العديد من الأشخاص ينتظرون حتى ينحسر الألم قبل أن يستأنفوا أعمالهم الاعتيادية، إلا أنّ تعلم التعامل مع الألم المزمن يعتمد على استعداد المريض لممارسة أعماله الاعتيادية بغض النظر عن الشعور بالألم!

هُنا لا نُلغي البحث عن مسببات الألم وعلاجها! لكن كيفية التعامل مع تَبعات هذا المسبب، إذ تكون إدارة الألم المزمن ذو فعالية أكبر مع الانخراط بالأعمال ومسؤوليات الحياة حتى مع تواجد الألم.

 

المرونة الانفعالية تختلف عما تَرمي إليه توجّهات علم النفس الإيجابي، بمحاولة توضيح أهمية المشاعر الإيجابية أو ما يسمى بالتفاؤل غير الواقعي، إذ يُناشد علماء النفس الإيجابي بتجاهل الجوانب السلبية للخبرة الحياتية، والنظر إلى الانفعالات السلبية كإشكالية يجب تَجنُبها من خلال تغييرها وتعديلها.

لكن، بالمقابل، التطرف بالبحث عن المشاعر الشديدة التي تندرج ضِمن المشاعر الإيجابية، تجعلنا في رغبةٍ حثيثة لتعديل كل شعور سيء إلى نقيضه. وهنا أذكر وصف ميشيل لكروا الإنسان في العصر الحديث بالباحث عن الأحاسيس sensation seeker.

البحث المستمر عن المشاعر الانفعالية يجعلنا أقل راحة مع الأحاسيس الهادئة التأملية، وهذه الجهود المبذولة لتغيير شعور، هي جهود معيقة للتكيف، وتزيد من حدة الشعور السيء عند مواجهة إحباط لعدم القدرة لتغييره.

الشعور بالأسى بحالات محددة قدرة تكيفية مناسبة لسياق الحدث المؤلم (فقد عزيز، انفصال، إصابة بمرض، خسارة...) وفي الكثير من الأحيان تكون دافعًا لحل المشكلات واتخاذ ردود فعل مناسبة مع حوادث ومصاعب الحياة.

 

يذكر الطبيب راندولف إم نيس في كتابه أسباب وجيهة للمشاعر السيئة:

‏"كلنا نصارع من أجل التحرر من المشاعر المؤلمة، وهي مؤلمة لسبب وجيه: لتحفز الجهود الرامية إلى تغيير هذه المواقف والهرب منها أو تجنبها، غير أن تغيير الموقف السيئ أو الهرب منه ليس ممكنًا على الدوام…"


 

"من الممكن أن يكون عنف الأحاسيس كارثيًا على التفكير لكن تجاهلها يمكنه كذلك أن يكون مفجعًا، خصوصًا عندما يتعلق الأمر باتخاذ قرارات يتوقف عليها مستقبلنا، أي مهنة نختار؟ أي رجل أو امرأة نتزوج؟ أي منطقة نستقر بها؟ ... العقل وحده لا يمكنه أن يتخذ هذه القرارات التي تشترط أن نحس الأشياء (داخل الأحشاء) وأن نستغل حكمة الأحاسيس."

دانييل كولمان


 


التنحي لمحاولة تعديل شعور هي قدرة على التأقلم مع سياق الظروف الخارجية والمواقف الحياتية اليومية.

وهنا الاستراتيجية الأكثر فعالية لتنظيم الانفعالات وتحقيق مرونة انفعالية أكبر، هي الانتظار وحسب، "فالمواقف تتغير، والضباب الشعوري ينجلي، والغضب يخبو"، وذلك من خلال:


 

  1. الموازنة ما بين التركيز على الشعور والمسؤولية تجاه الأهداف في الحياة.

  2. قبول الشعور دون محاولةٍ لتعديله أو تغييره.

  3. التركيز على الاستمرار بتفريغ الانفعالات وتنظيمها وليس فقط العبور من خلالها. 

  4. الانتباه والموازنة ما بين التعاطف والتورط العاطفي عند الانصهار مع آلام الآخرين والتدقيق بتفاصيل أحداث الحياة المؤلمة.

 

 

المرونة الانفعالية لا تُلغي إرهاف الأذن لمشاعرنا، والتلَطُف مع أنفسنا، لكننا نسعى محاولين الموازنة على أرضٍ زَلِقة، ما بين الإنصات لما نشعُر، والانصياع لكل شعور.


 

"يا قلب
كم هاجت عليك نوائب شتى
وكنت لها المحيط الهادي"

عبداللطيف يوسف

المشاركة عبر وسائل التواصل الاجتماعي

التوحد

2022/09/12

التعلق المرضي

2022/09/12

الاضطرابات النفسجسدية: الأعراض، والأسباب، والعلاج

2022/09/12

الحب بين الزوجين

2022/09/12

الصمت الاختياري

2022/08/06

الانتحار

2022/09/12

التبول اللاإرادي

2022/09/12

الأمراض والاضطرابات النفسية ما بعد الولادة

2022/09/12

رهاب قيادة السيارة - الأسباب ، الأعراض والعلاج

2022/08/06

الاضطرابات الانشقاقية - الأعراض والأسباب والعلاج

2022/09/12

جميع الحقوق محفوظة © مركز مطمئنة - السعودية 2024