ما طابَ وصلٌ لم تُكدّره جفوةٌ
ولا دامَ ودٌّ ما تخلّلَه صبرُ
حينما يُبحر الإنسان في ذاته، ويتأمّل في خبرات حياته وما خلّفته من ذكريات ومعتقدات، يجد أنها قد تشكّلت بطابع وبصمةٍ خاصّة به، سواء كانت تلك الخبرات إيجابية، أو سلبية، أو رمادية… أي تحمل التأثير الإيجابي والسلبي في آنٍ واحد. ولا تخلو تلك الخبرات من أشخاصٍ مرّوا بنا، كان لهم أثرٌ رجعي علينا، سواء كانت علاقتنا بهم عميقة أم سطحية؛ فكم من معلّم، أو موجّه، أو معالج، أو بائع، أو عابر سبيل، مضوا وتركوا أثرهم علينا.
تُسهم العلاقات في تكوين بعض الصفات والمبادئ، كما أنها قد تُزعزع معتقدات وصفات أخرى، فتساعد على محوها أو تغيّرها مع مرور الوقت. ولا يستطيع الإنسان أن يعيش معزولًا في كوخٍ بمفرده دون تفاعلٍ إنساني، فهو مجبول على الحب والعطاء والتواصل، بل إن جودة العلاقات واستقرارها يعكسان أحيانًا مدى استقرار الصحة النفسية للفرد.
العلاقات المستقرة نسبيًا تقوم على أسس عدة، منها: الاستمرارية في التواصل رغم التذبذب، والاستبصار بجوانب القوة والضعف لدى الطرفين، ومحاولة تقويم العلاقة وتعديلها بإيجاد حلول تكيّفية، مع تقبّل وجود بعض السمات أو البصمات الشخصية التي يصعب محوها.
العلاقة المستدامة بعيدة كل البعد عن فكرة الاستغناء السريع، أو التقوقع على عيوب الذات أو الآخر، أو النظر للعلاقة من زاوية ضيقة تُغفل البنية النفسية الكاملة للفرد.
يُؤكّد العلاج السلوكي الجدلي - DBT أن “العلاقات المستقرة تحتاج إلى مهارتين: الصمود في وجه الانفعالات، والمرونة في التفاعل.”
ويعني ذلك أن العلاقة لن تعيش أو تصمد إلا إذا كانت لدينا مهارة تنظيم المشاعر وإدارة ردود أفعالنا، والقدرة على التكيف مع تغيّرات الطرف الآخر.
العلاقات ليست ممتلكاتٍ مادية يُمكن الاستغناء عنها متى ما شعرنا بالفتور أو الضعف أو التذبذب؛ فالعلاقات المقرّبة كعلاقات الوالدين، أو الإخوة، أو العلاقة الزوجية، كثيرًا ما تمر بوعكات وصعوبات، لكنها مع الصبر والمثابرة والمحاولات المتكررة، قد تُثمر عن إحداث نفعٍ أو تكيّف إيجابي. وهذا لا يحدث إلا ببذل الوقت والجهد، وشحن الدافعية للمساعدة على التغيير.
⸻
ومن أبرز الأسباب التي تؤدي إلى وعكات جوهرية في أي علاقة:
“قليل الحب مع العمل = صالح،
وكثير الحب مع الجهل = فاسد.”
⸻
وأخيرًا، في علم النفس الاجتماعي، يُقال:
“العلاقات القوية لا تعتمد على التشابه فقط، بل على القدرة على إصلاح الضرر.”
وهذا المفهوم مدعوم بأبحاث، مثل أعمال الدكتور جون غوتمن، الذي أثبت أن النجاح في العلاقات لا يعني انعدام المشاكل، بل وجود إصلاح فعّال للخلافات، وقدرة الطرفين على الصبر، والتركيز على الحوار، والتفاوض، والسعي لحلول وسطية تكيّفية. لا ينبغي أن نُجبر الآخر على أن يدور في فلكنا، فحين يُجبر الإنسان على تقمّص شخصية غير شخصيته، حتى يتفادى ردود أفعالنا أو تقلباتنا، يتحوّل مع الوقت إلى نسخة باهتة من نفسه، وتُصبح العلاقة مثقلة بالاستنزاف، ويحدث بعد ذلك استمرار الفجوة بين الشخصين، أو الانفصال، أو التعلّق المرضي بالآخر.