نحن لا نملك دائماً السيطرة على ما نشعُر به، لكننا نملك دائماً خيار كيف نتعامل مع ما نشعُر به، في كل لحظة نمُر بها بتجربة عاطفية، فرح، حزن، غضب، قلق... نتخذ بشكلٍ واعٍ أو غير واع موقفاً تجاه هذا الشعور، وهذا يبرز فن إدارة المشاعر، ليس بوصفه مهارة نفسية فقط، بل كـ فن إنساني عميق يُعيد تشكيل طريقة تفاعلنا مع أنفسنا ومع الآخرين.
وفي خضم الحياة اليومية قد يبدو أن مشاعرنا تقودنا، لكن في الحقيقة أن الشخص الواعي الذي يدرك عواطفه ويُحسن توجيهها هو من يقود نفسه ومشاعره نحو الاتزان والسلام الداخلي والنجاح في علاقاته ومجتمعه.
يقول سقراط: "اعرف نفسك" لم تكن تلك مجرد دعوة لفهم الأفكار، بل نداء لفهم المشاعر لأنها في صميم التجربة الإنسانية، فنحن لا نحيا فقط بما نفكر به بل بما نشعر به، فإدارة المشاعر ليست محاولة للهروب منها أو تجميلها، بل لنتعلم كيف نعيشها دون أن تُغرقنا، أن نحزن دون أن ننكسر، أن نغضب دون أن نظلم، أن نفرح دون أن نفقد اتزاننا ومن هنا تبدأ الحكاية.
يعرّف فنّ إدارة المشاعر: بأنه القدرة على التعرّف على المشاعر وفهمها وتنظيمها بطريقة فعّالة صحية، وهذا يتضمّن مجموعة من المهارات كالوعي الذاتي والتنظيم العاطفي، والتعاطف، والتواصل الفعّال، بينما يعرّفه جروس أستاذ علم النفس في جامعة ستانفورد بأنه "العمليات التي من خلالها يؤثر الأفراد في نوع مشاعرهم والوقت الذي يشعرون بها، وكذلك كيفية تجربتها والتعبير عنها" وتطلق الأبحاث السيكولوجية الحديثة مصطلح "التنظيم العاطفي التكاملي"على فن إدارة المشاعر مما يدل على أهمية تنظيم تلك المشاعر وإدارتها وضبطها بطريقة عميقة من خلال قبول المشاعر وفهمها، ودمجها في الهوية الذاتية للفرد، والتعامل معها بدلاً من قمعها.
ولإدارة المشاعر أهمية كبيرة في حياتنا النفسية والاجتماعية، حيث تعد القدرة على إدارة المشاعر مهارة محورية في تحقيق التوازن النفسي، حيث تُمكّن الفرد من التعامل مع ضغوط الحياة اليومية وتحسّن جودة علاقاته الاجتماعية والمهنية. تشير دراسة نشرتها جامعة هارفارد عام 2023م إلى أن الأشخاص ذوي المهارات التنظيمية العاطفية العالية يتمتعون بنسبة أعلى من الرضا النفسي، ونسبة أقل من التوتر والقلق، بالإضافة إلى أداء مهني أفضل مقارنةً بغيرهم، كما أن فن إدارة المشاعر يعزز من الذكاء الاجتماعي ويساهم في بناء بيئات داعمة في العمل والأسرة، ويقلل من الصراعات الناتجة عن سوء الفهم أو التعبير العاطفي السلبي.
ويؤكد الباحث جون ماير أحد مطوري نظرية الذكاء العاطفي أن "القدرة على فهم المشاعر وتنظيمها ليست رفاهية، بل ضرورة للنجاح الشخصي والمهني".
وهناك العديد من الأبعاد النفسية والاجتماعية لإدارة المشاعر منها:
- الاستقرار النفسي ونمو الذكاء العاطفي، وكذلك صحة نفسية جيدة ومتوازنة.
- تحسين العلاقات الاجتماعية، حل الخلافات بفعالية، تعزيز التقبل الاجتماعي.
• استراتيجيات إدارة المشاعر:
لإدارة المشاعر وتنظيمها هناك استراتيجيات متعددة تمكّن الفرد من ضبط مشاعره وإدارتها بوعي وفاعلية:
في النهاية: يتبيّن لنا أن فن إدارة المشاعر ليس مجرد مهارة نفسية، بل هو أسلوب حياة يُكسبنا القدرة على التوازن، ويمنحنا الحكمة في مواجهة التحديات اليومية. فالمشاعر، رغم كونها عابرة، تملك أثراً عميقاً في تشكيل سلوكنا، وقراراتنا، وعلاقاتنا، وحين نتعلّم كيف نفهم مشاعرنا، ونتعامل معها لا ضدّها، نصبح أكثر إنسانية، وأقرب إلى ذواتنا الحقيقية.
إدارة المشاعر ليست كبتاً ولا ضعفاً، بل هي أعلى درجات القوة الداخلية والنضج النفسي والاجتماعي.
فـ لنُصغي لمشاعرنا، لا لنتبعها دومًا، بل لنديرها بوعي، ونحوّلها إلى طاقة إيجابية تفتح لنا أبواب الفهم والتعاطف والسلام الداخلي.
"من لا يستطيع أن يُدير مشاعره، سيكون عبدًا لها." – دانييل جولمان