هل تتعامل مع شخص يجذب الانتباه دائمًا، تتقلب مشاعره بسرعة، ويعيش حياته كدراما مستمرة؟ اكتشف أبعاد الشخصية الهستيرية، أعراضها، أسبابها، وكيفية التعامل معها بذكاء.
ما هي الشخصية الهستيرية؟ التعريف والمفاهيم الأساسية
الشخصية الهستيرية هي نمط من أنماط الشخصية يتميز بالمبالغة في التعبير العاطفي، والسعي المستمر لجذب الانتباه، والتقلب السريع في المشاعر والمواقف. غالبًا ما يظهر الأشخاص أصحاب هذه الشخصية بسلوكيات درامية ومسرحية، وقد يبدون ساحرين ومثيرين في البداية، لكنهم يواجهون صعوبة في الحفاظ على علاقات عميقة ومستقرة بسبب حاجتهم المفرطة للتقدير والاهتمام. هذه الشخصية ليست مجرد "ميل للدراما" بل هي نمط سلوكي ونفسي عميق يؤثر على جميع جوانب حياة الفرد.
يُطلق على هذا النمط أحيانًا "اضطراب الشخصية التمثيلي" أو "اضطراب الشخصية الهستيرية" في الأدبيات النفسية، ويتمحور حول رغبة لا تشبع في أن يكون الشخص محط أنظار الجميع، حتى لو كان ذلك يعني اللجوء إلى أساليب مبالغ فيها أو استفزازية. قد يظهرون حساسية مفرطة للنقد أو التجاهل، ويسعون جاهدين لإبهار الآخرين، مما قد يدفعهم إلى تغيير شخصياتهم أو معتقداتهم لتناسب من حولهم.
الفرق بين الشخصية الهستيرية واضطراب الشخصية الهستيرية:
من المهم التمييز بين وجود سمات "هستيرية" في الشخصية وبين تشخيص "اضطراب الشخصية الهستيرية" (Histrionic Personality Disorder - HPD).
الشخصية الهستيرية (بمعنى السمات): تعني أن الفرد يمتلك بعض السمات التي تميل إلى المبالغة العاطفية أو السعي لجذب الانتباه، ولكن هذه السمات ليست بالشدة أو الانتشار الكافي لتؤثر سلبًا بشكل كبير على حياته اليومية أو علاقاته، أو لا تستوفي جميع المعايير التشخيصية لاضطراب. قد يكون الشخص "دراميًا" بطبيعته ولكنه قادر على التحكم في سلوكه والتكيف مع المواقف المختلفة.
اضطراب الشخصية الهستيرية (HPD): هو تشخيص سريري رسمي وفقًا للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5). يتطلب هذا التشخيص وجود نمط سائد ومستمر من السلوكيات الدرامية، المثيرة، العاطفية، والمبالغ فيها للسعي لجذب الانتباه، ويجب أن يكون هذا النمط واضحًا في مجموعة متنوعة من السياقات ويسبب ضائقة كبيرة للفرد أو ضعفًا في الأداء الاجتماعي أو المهني. بمعنى آخر، السمات الهستيرية تكون شديدة جدًا وتؤثر على الحياة بشكل جوهري.
الأشخاص الذين يعانون من HPD يجدون صعوبة كبيرة في الحفاظ على علاقات صحية، أو وظائف مستقرة، أو صورة ذاتية ثابتة، بسبب حاجتهم الملحة والمستمرة للاهتمام الخارجي.
كيف يتم تشخيص السمات الهستيرية وفق DSM-5؟
يُشخص اضطراب الشخصية الهستيرية من قبل أخصائي صحة نفسية (طبيب نفسي أو أخصائي نفسي إكلينيكي) بناءً على مقابلة سريرية مفصلة ومراجعة التاريخ الشخصي. وفقًا لـ DSM-5، يجب أن يظهر الفرد نمطًا سائدًا من العواطف المفرطة والسعي لجذب الانتباه، بدءًا من مرحلة البلوغ المبكرة، وأن يظهر عليه خمسة (أو أكثر) من المعايير التالية:
عدم الارتياح عندما لا يكون مركز الاهتمام: يشعر بالضيق أو عدم الراحة عندما لا يكون هو محور التركيز في المجموعة.
التفاعل مع الآخرين غالبًا ما يتميز بسلوك غير لائق جنسيًا أو إغرائيًا أو استفزازيًا: قد يستخدم جاذبيته الجسدية بطريقة مبالغ فيها لجذب الانتباه.
تبدل سريع وسطحي في التعبير عن العواطف: تتغير مشاعره بسرعة، وقد تبدو غير صادقة أو مفتعلة للآخرين.
الاستخدام المستمر للمظهر الجسدي لجذب الانتباه إلى الذات: يولي اهتمامًا مفرطًا لمظهره، وغالبًا ما يرتدي ملابس أو يتبنى تسريحات شعر تلفت الأنظار.
نمط كلام انطباعي بشكل مفرط ويفتقر إلى التفاصيل: عندما يتحدث، يركز على المشاعر والانطباعات العامة دون تقديم تفاصيل جوهرية أو منطقية.
إظهار دراما ذاتية، ومسرحية، ومبالغة في التعبير العاطفي: يتصرف بطريقة تمثيلية، وكأن حياته مسرحية.
سهل التأثر بالآخرين أو بالظروف: يتأثر بسهولة بآراء الآخرين أو أحدث الموضات أو الصيحات.
يعتبر العلاقات أكثر حميمية مما هي عليه في الواقع: قد يبالغ في تقدير عمق العلاقة أو قربها، ويفترض صداقات قوية أو علاقات عاطفية عميقة مع أشخاص لا يعرفهم جيدًا.
يجب أن تكون هذه الأعراض مستمرة وواسعة الانتشار وتسبب ضعفًا كبيرًا في أداء الفرد في المجالات الاجتماعية أو المهنية أو غيرها من مجالات الحياة المهمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
السمات الرئيسية للشخصية الهستيرية (علامات واضحة)
تظهر الشخصية الهستيرية في مجموعة من السمات والسلوكيات الواضحة التي يمكن ملاحظتها في تفاعلات الفرد اليومية. فهم هذه السمات يساعد على تحديد هذا النمط السلوكي.
المبالغة في التعبير العاطفي (الدراما المستمرة):
التعبير العاطفي المبالغ فيه وغير المتناسب: يعبر الشخص الهستيري عن مشاعره بطريقة مبالغ فيها بشكل كبير، سواء كانت سعادة، حزن، غضب، أو إثارة. قد يبكي بصوت عالٍ على أمر بسيط، أو يضحك هستيريًا، أو يبالغ في ردود فعله تجاه الأحداث العادية.
الدراما المستمرة في الحياة اليومية: يحول المواقف العادية إلى أحداث درامية. حتى أبسط المواقف يمكن أن تتحول إلى "أزمة" تتطلب اهتمامًا فوريًا. قد يصف أحداثًا عادية بطريقة مأساوية أو مثيرة لجذب التعاطف أو الاهتمام.
التقلب السريع والسطحي في المشاعر: تتغير مشاعرهم بسرعة فائقة، وقد ينتقلون من البكاء إلى الضحك في غضون دقائق. غالبًا ما تكون هذه المشاعر سطحية وليست عميقة الجذور، وقد يراها الآخرون غير صادقة أو مفتعلة.
استخدام لغة جسد مبالغ فيها: قد يستخدمون إيماءات وتعبيرات وجه مبالغ فيها، وحركات جسدية واسعة، ولغة جسد مسرحية لتوصيل رسالتهم وجذب الانتباه.
الرغبة في أن يكونوا محط أنظار الجميع: يسعون دائمًا ليكونوا مركز الاهتمام، وإذا لم يكونوا كذلك، فقد يشعرون بالضيق ويحاولون تغيير الوضع لجذب الأضواء إليهم.
الحاجة المستمرة لجذب الانتباه (السلوك الاستعراضي):
البحث الدائم عن التقدير والثناء: يعتمدون بشكل كبير على التقدير الخارجي لتحديد قيمتهم الذاتية. يحتاجون إلى أن يُخبروا باستمرار بأنهم محبوبون، جذابون، أو مهمون.
استخدام المظهر الجسدي لجذب الانتباه: يميلون إلى الاهتمام المفرط بمظهرهم، وارتداء ملابس لافتة للنظر، أو استخدام مستحضرات التجميل بشكل مبالغ فيه، ليس بالضرورة للجاذبية الشخصية، بل لجذب الأنظار إليهم.
السلوك الاستعراضي أو الإغوائي: قد يتبنون سلوكيات ذات طابع إغوائي أو استفزازي (حتى في سياقات غير مناسبة) لجذب الانتباه، دون أن يكون الهدف بالضرورة هو العلاقة الجنسية.
اختلاق القصص أو المبالغة فيها: قد يبالغون في قصصهم الشخصية، أو يختلقون أحداثًا درامية لم تحدث بالفعل، لجذب التعاطف أو الإثارة من المستمعين.
الحديث بصوت عالٍ أو بطريقة ملفتة للنظر: قد يميلون إلى التحدث بصوت عالٍ، أو استخدام نبرة صوت درامية، أو اختيار كلمات مثيرة لإبقاء المستمعين منتبهين لهم.
التقلب السريع في المشاعر والمواقف:
سهولة التأثر بالآخرين والظروف: يتأثرون بسهولة بآراء الآخرين، وخاصة الأشخاص الذين يعجبون بهم. قد يغيرون آرائهم أو معتقداتهم لتناسب الشخص الذي يتحدثون معه في تلك اللحظة.
العلاقات السطحية والمتقلبة: يجدون صعوبة في الحفاظ على علاقات عميقة ومستقرة بسبب تركيزهم على جذب الانتباه بدلاً من بناء الروابط الحقيقية. قد يبدون شغوفين بعلاقة جديدة ثم يفقدون الاهتمام بسرعة.
الشعور بالملل بسهولة: يميلون إلى الشعور بالملل بسرعة من الروتين أو الأنشطة التي لا توفر لهم إثارة مستمرة أو اهتمامًا.
الاندفاعية في القرارات: قد يتخذون قرارات سريعة ومتهورة بناءً على المشاعر اللحظية أو الرغبة في جذب الانتباه، دون التفكير في العواقب طويلة المدى.
التقلب في صورة الذات: قد تتغير نظرتهم لأنفسهم بناءً على ردود فعل الآخرين أو آخر حدث درامي مروا به.
الأسباب النفسية والاجتماعية وراء تكوين الشخصية الهستيرية:
تُعد الشخصية الهستيرية نتاجًا لتفاعل معقد بين العوامل الوراثية والبيولوجية (على الرغم من أن الأدلة عليها أقل مقارنة باضطرابات أخرى) والعوامل النفسية والاجتماعية والبيئية. غالبًا ما تلعب تجارب الطفولة المبكرة دورًا محوريًا في تطور هذا النمط السلوكي.
العوامل التربوية في الطفولة (نقص الانتباه أو الإفراط فيه):
تُعد البيئة الأسرية ونمط التربية من أهم العوامل المساهمة في تكوين الشخصية الهستيرية:
نقص الانتباه أو الإهمال العاطفي في الطفولة: إذا لم يحصل الطفل على اهتمام كافٍ أو تقدير عاطفي من والديه، فقد يتعلم أن الطريقة الوحيدة لجذب الانتباه هي من خلال السلوكيات الدرامية، أو المبالغة في المشاعر، أو التمرد. ينشأ الطفل معتقدًا أنه يجب عليه "تقديم عرض" ليتم رؤيته أو سماعه.
الإفراط في التدليل أو الانتباه غير المشروط لسلوكيات معينة: على النقيض، قد يؤدي الإفراط في التدليل أو مكافأة الطفل على السلوكيات الدرامية أو جذب الانتباه إلى تعزيز هذه الأنماط. إذا كان الوالدان يمنحان اهتمامًا كبيرًا لسلوكيات الطفل الصارخة أو المسرحية بينما يتجاهلان سلوكياته الهادئة أو الإيجابية، فقد يتعلم الطفل أن هذه هي الطريقة الفعالة للحصول على ما يريد.
نموذج الأبوين: إذا كان أحد الوالدين أو كلاهما يظهران سلوكيات درامية، أو يسعيان لجذب الانتباه، أو يعانيان من تقلبات مزاجية، فقد يقلد الطفل هذا السلوك كنمط للتفاعل.
بيئة أسرية غير مستقرة أو فوضوية: قد يؤدي عدم وجود حدود واضحة أو الاتساق في التربية إلى شعور الطفل بعدم الأمان، مما يدفعه للبحث عن الاهتمام أو السيطرة من خلال السلوكيات المبالغ فيها.
عدم تعليم الطفل مهارات تنظيم العواطف: إذا لم يتعلم الطفل كيفية التعبير عن مشاعره بطريقة صحية أو كيفية التعامل مع الضيق، فقد يلجأ إلى المبالغة العاطفية كوسيلة وحيدة للتعبير.
العوامل الثقافية وتأثيرها على تكوين الشخصية:
الترويج للسطحية والمظهر: في بعض الثقافات، قد يتم التركيز بشكل كبير على المظهر الخارجي والجاذبية السطحية، مما يعزز فكرة أن القيمة الذاتية مرتبطة بالقدرة على جذب الانتباه والإعجاب من الآخرين.
التأثير الإعلامي ووسائل التواصل الاجتماعي: يمكن لوسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي أن تعزز السلوكيات الهستيرية من خلال مكافأة الأفراد الذين يبالغون في حياتهم، أو الذين يعرضون حياتهم الشخصية بشكل درامي، للحصول على "الإعجابات" والمتابعين. هذا يخلق نموذجًا يُنظر فيه إلى جذب الانتباه كهدف أساسي.
عدم تشجيع التعبير العاطفي العميق: في بعض البيئات، قد لا يتم تشجيع الأفراد على التعبير عن مشاعرهم العميقة أو ضعفهم، مما يدفعهم إلى استخدام الدراما السطحية كقناع أو وسيلة لتجنب المشاعر الحقيقية.
دور الجنس (الجندر): تاريخيًا، كانت المرأة تُشخص بالهستيرية أكثر من الرجل، وقد يعزى ذلك جزئيًا إلى التوقعات المجتمعية التي قد تشجع النساء على التعبير عن المشاعر بطريقة أكثر درامية أو إغوائية، بينما قد يظهر الرجال سمات مماثلة بطرق مختلفة (مثل العدوانية أو الاندفاعية) قد تؤدي إلى تشخيصات أخرى.
تتفاعل هذه العوامل مع بعضها البعض لتشكل نمط الشخصية الهستيرية، الذي يسعى دائمًا إلى أن يكون في دائرة الضوء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
تأثير الشخصية الهستيرية على العلاقات الاجتماعية والعملية:
تؤثر الشخصية الهستيرية بشكل كبير على جميع جوانب حياة الفرد، خاصة في مجال العلاقات الشخصية والمهنية، حيث يمكن أن تسبب تحديات كبيرة للمصابين بها ولمن حولهم.
تحديات العلاقات العاطفية مع الشخص الهستيري:
العلاقات العاطفية مع الشخص الهستيري غالبًا ما تكون مليئة بالدراما والتقلبات.
الاندفاعية في العلاقات: يميلون إلى الدخول في علاقات عاطفية بسرعة فائقة، وقد يبالغون في عمق العلاقة في بدايتها، ثم يفقدون الاهتمام بنفس السرعة عندما يهدأ الشغف الأولي أو عندما لا يحصلون على الاهتمام المطلوب.
الحاجة المستمرة للثناء والتأكيد: يحتاجون إلى تأكيدات مستمرة بأنهم محبوبون، مرغوبون، وجذابون. إذا لم يحصلوا على هذا التقدير، فقد يشعرون بالإهمال ويبحثون عنه في مكان آخر.
الغيرة المفرطة: قد يصبحون غيورين بشكل مفرط إذا شعروا أن الشريك يولي اهتمامًا لآخرين، مما يؤدي إلى صراعات متكررة.
الدراما المستمرة لجذب الانتباه: قد يفتعلون المشاكل، أو يخلقون الأزمات، أو يبالغون في ردود أفعالهم لجذب انتباه الشريك إليهم، حتى لو كان ذلك يعني خلق صراعات غير ضرورية.
العلاقات السطحية: على الرغم من شدة مشاعرهم الظاهرية، إلا أنهم قد يجدون صعوبة في بناء علاقات عاطفية عميقة ومستقرة، لأن تركيزهم ينصب على جذب الانتباه وليس على التفاهم المتبادل والتعاطف.
الميل إلى إضفاء الطابع الجنسي على العلاقات: قد يميلون إلى إضفاء الطابع الجنسي على جميع علاقاتهم، بما في ذلك الصداقات، مما قد يربك الآخرين ويجعلهم يشعرون بعدم الارتياح.
صعوبة في الالتزام: قد يجدون صعوبة في الالتزام بعلاقة واحدة طويلة الأمد، لأنهم يبحثون باستمرار عن الإثارة الجديدة والاهتمام المتجدد.
الصعوبات المهنية للشخصية الهستيرية:
يمكن أن تسبب الشخصية الهستيرية تحديات كبيرة في بيئة العمل:
صعوبة في التركيز على المهام الروتينية: يميلون إلى الشعور بالملل بسرعة من المهام الروتينية التي لا توفر لهم الإثارة أو الاهتمام، مما يؤثر على إنتاجيتهم.
مشاكل في العلاقات مع الزملاء والرؤساء: قد ينخرطون في صراعات درامية مع الزملاء، أو يتنافسون لجذب انتباه الرؤساء بطرق غير مهنية.
التقلب في الأداء الوظيفي: قد يبدأون عملًا بحماس شديد وطاقة كبيرة، لكن حماسهم يتلاشى بسرعة إذا لم يحصلوا على التقدير المستمر أو إذا أصبحت المهمة مملة.
الميل إلى المبالغة في الإنجازات: قد يبالغون في وصف إنجازاتهم أو المساهمات التي قدموها لجذب الثناء.
صعوبة في تلقي النقد البناء: يميلون إلى تفسير النقد البناء كإهانة شخصية أو رفض، مما يجعلهم دفاعيين أو غاضبين.
البحث عن وظائف تتطلب جذب الانتباه: قد يميلون إلى المهن التي تتطلب أداءً علنيًا أو جذب انتباه، مثل التمثيل، العلاقات العامة، أو المبيعات، حيث يمكنهم إشباع حاجتهم للجمهور.
تغيير الوظائف بشكل متكرر: قد يغيرون وظائفهم كثيرًا بحثًا عن بيئة جديدة توفر لهم الإثارة والاهتمام الذي يتوقون إليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
كيفية التعامل مع الشخص الهستيري (استراتيجيات عملية)
يتطلب التعامل مع الشخص الهستيري الكثير من الصبر، الفهم، ووضع حدود واضحة لضمان علاقة صحية ومستقرة.
وضع الحدود الصحية مع الشخص الهستيري:
تُعد الحدود أساسية في التعامل مع الشخص الهستيري لمنع استنزافك عاطفياً وضمان حماية نفسك:
كن واضحاً ومباشراً: عبر عن توقعاتك وحدودك بوضوح وهدوء. على سبيل المثال: "أنا هنا للاستماع إليك، لكن لن أشارك في الدراما أو الصراخ."
كن حازماً ومتسقاً: لا تتراجع عن حدودك حتى لو حاول الشخص استخدام التلاعب العاطفي أو الدراما. الاتساق يعلمهم أن حدودك حقيقية.
لا تنجر للدراما: عندما يبدأ الشخص في المبالغة أو السلوك المسرحي، تجنب الانخراط في هذا السلوك. حافظ على هدوئك، وحاول إعادة تركيز المحادثة على الحقائق أو الحلول بدلاً من المشاعر المبالغ فيها.
حدد الوقت المخصص للتفاعل: إذا كان الشخص يميل إلى استهلاك وقتك وطاقتك، حدد مدة زمنية معينة للتفاعل ثم اعتذر بلطف. على سبيل المثال: "يمكنني التحدث معك لمدة 10 دقائق حول هذا الأمر."
استخدم "أنا" في عباراتك: ركز على مشاعرك وتجربتك بدلاً من توجيه اللوم. "أنا أشعر بالإرهاق عندما أرى هذا المستوى من الغضب" بدلًا من "أنت دائمًا غاضب جدًا".
لا تكن جمهوراً لسلوكهم: إذا كان سلوكهم يهدف إلى جذب الانتباه، لا تمنحهم الاهتمام الذي يسعون إليه من خلال هذه السلوكيات. تجاهل السلوك الدرامي وركز على التواصل الهادئ والمنطقي.
تجنب المبالغة في ردود الفعل: عندما يعبرون عن مشاعرهم بشكل مبالغ فيه، حاول ألا تبالغ في رد فعلك. حافظ على ردود فعل هادئة ومناسبة.
تجنب التعزيز غير المقصود للسلوك الهستيري:
قد يقوم المحيطون بتعزيز السلوك الهستيري دون قصد، مما يزيد من المشكلة:
تجنب الثناء المفرط على المظهر فقط: ركز على الثناء على إنجازاتهم، مهاراتهم، أو شخصيتهم الحقيقية بدلاً من المظهر السطحي، لتعليمهم أن قيمتهم لا تكمن فقط في كيفية ظهورهم أو جذبهم للانتباه.
لا تكافئ الدراما بالاهتمام: إذا كان الشخص يفتعل مشكلة لجذب الانتباه، لا تمنحه الاهتمام الذي يسعى إليه. انتظر حتى يهدأ السلوك الدرامي ثم تفاعل معه بشكل طبيعي.
قدم الاهتمام للسلوكيات الإيجابية: عندما يتصرف الشخص بطريقة هادئة، أو منطقية، أو مسؤولة، امنحه الاهتمام والتقدير. هذا يعزز السلوكيات المرغوبة.
شجع على الاستقلالية: بدلًا من تقديم المساعدة في كل شيء، شجعهم على اتخاذ القرارات بأنفسهم وحل مشاكلهم الخاصة.
تجنب الشعور بالذنب: لا تشعر بالذنب إذا وضعت حدودًا أو رفضت الانجرار إلى الدراما. تذكر أنك تساعدهم على المدى الطويل من خلال عدم تعزيز سلوكياتهم غير الصحية.
شجع على طلب المساعدة المهنية: إذا كان السلوك الهستيري يؤثر بشكل كبير على حياتهم أو علاقاتهم، شجعهم بلطف على طلب المساعدة من أخصائي صحة نفسية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
هل يمكن للشخص الهستيري تغيير سلوكه؟
على الرغم من أن اضطرابات الشخصية قد تكون صعبة العلاج، إلا أن الشخص الهستيري يمكن أن يحقق تحسنًا كبيرًا في سلوكه وجودة حياته من خلال العلاج النفسي المناسب والدعم. التغيير ممكن، ولكنه يتطلب التزامًا من جانب الفرد.
أنواع العلاج النفسي المناسب (العلاج السلوكي المعرفي):
العلاج النفسي هو حجر الزاوية في علاج اضطراب الشخصية الهستيرية، ويساعد الأفراد على فهم سلوكياتهم وتغيير أنماط التفكير غير الصحية:
العلاج السلوكي المعرفي (Cognitive Behavioral Therapy - CBT): يُعد CBT من العلاجات الفعالة. يركز على تحديد وتغيير أنماط التفكير والسلوكيات غير المفيدة. يساعد الأفراد على:
تحديد الأفكار المشوهة: مثل الاعتقاد بأن قيمتهم الذاتية تعتمد فقط على جذب الانتباه.
تطوير مهارات تنظيم العواطف: تعلم كيفية التعبير عن المشاعر بطريقة صحية وغير مبالغ فيها.
تحسين مهارات التواصل: تعلم كيفية بناء علاقات أعمق وأكثر استقرارًا بعيدًا عن الدراما.
تعزيز الثقة بالنفس: بناء تقدير الذات من مصادر داخلية بدلاً من الاعتماد على التقدير الخارجي.
العلاج النفسي الديناميكي (Psychodynamic Therapy): يركز هذا النوع من العلاج على استكشاف التجارب المبكرة في الطفولة والعلاقات التي قد تكون ساهمت في تكوين الشخصية الهستيرية. يساعد الأفراد على فهم الدوافع اللاواعية لسلوكهم وكيف تؤثر على علاقاتهم الحالية.
العلاج الجماعي (Group Therapy): يمكن أن يكون مفيدًا للشخص الهستيري، حيث يوفر بيئة آمنة لممارسة مهارات العلاقات الشخصية، وتلقي الملاحظات من الأقران، ورؤية كيفية تأثير سلوكهم على الآخرين في بيئة داعمة.
العلاج الأسري (Family Therapy): إذا كانت البيئة الأسرية تساهم في تعزيز السلوكيات الهستيرية، يمكن للعلاج الأسري أن يساعد أفراد الأسرة على فهم الديناميكيات غير الصحية وتعلم طرق تفاعل جديدة.
الهدف من العلاج هو مساعدة الشخص على تطوير إحساس أكثر استقرارًا بالذات، وبناء علاقات حقيقية وعميقة، والتعامل مع المشاعر بطرق أكثر صحة.
دور الأدوية في حالات معينة (مضادات القلق والاكتئاب):
لا يوجد دواء محدد يعالج اضطراب الشخصية الهستيرية بحد ذاته، ولكن يمكن استخدام الأدوية للمساعدة في إدارة الأعراض المصاحبة التي قد تكون مزعجة أو خطيرة. تُستخدم الأدوية عادةً كجزء من خطة علاجية شاملة تتضمن العلاج النفسي:
مضادات الاكتئاب (Antidepressants): قد تُوصف للمساعدة في علاج أعراض الاكتئاب، والتقلبات المزاجية، أو القلق الذي قد يصاحب الشخصية الهستيرية.
مضادات القلق (Anxiolytics): يمكن استخدامها لفترة قصيرة للتحكم في نوبات القلق الشديدة، ولكن يجب استخدامها بحذر بسبب خطر الاعتماد عليها.
مثبتات المزاج (Mood Stabilizers): في بعض الحالات، قد تُستخدم للمساعدة في تقليل التقلبات المزاجية الشديدة أو الاندفاعية.
يجب أن يتم وصف الأدوية ومراقبتها من قبل طبيب نفسي متخصص، حيث يقوم بتقييم الأعراض، واختيار الدواء المناسب، ومراقبة الآثار الجانبية. من المهم التأكيد على أن الأدوية لا تعالج نمط الشخصية نفسه، بل تساعد في تخفيف الأعراض التي قد تعيق العلاج النفسي أو تسبب ضائقة شديدة للمريض.
الأسئلة الشائعة
هل جميع الدراميين يعانون من الشخصية الهستيرية؟
لا، بالتأكيد لا. فبعض السمات الدرامية قد تكون جزءًا طبيعيًا من شخصية الفرد، أو مرتبطة بمزاج الشخص، أو طريقة للتعبير عن النفس دون أن تصل إلى مستوى الاضطراب. التشخيص باضطراب الشخصية الهستيرية يتطلب وجود مجموعة واسعة ومستمرة من السمات المحددة (مثل الحاجة المفرطة لجذب الانتباه، التقلبات العاطفية السطحية، السلوك الإغوائي غير المناسب)، وبشدة تؤثر سلبًا على حياة الشخص وعلاقاته بشكل جوهري.
كيف أتعامل مع زميل عمل هستيري دون التأثير على عملي؟
للتعامل مع زميل عمل يظهر سمات هستيرية دون التأثير على عملك، يمكنك اتباع هذه الاستراتيجيات:
الحفاظ على هدوئك وعدم الانجرار للدراما: عندما يبدأ زميلك في السلوك الدرامي، حافظ على صوتك هادئًا وتجنب الانفعال. لا تنجر إلى نقاشات شخصية أو درامية.
التركيز على الحقائق والأدلة في النقاشات: في المواضيع المتعلقة بالعمل، ركز على البيانات، الأرقام، والوقائع بدلاً من المشاعر أو القصص المبالغ فيها.
تحديد حدود واضحة للتفاعلات المهنية: حافظ على حدود مهنية صارمة. تجنب الدخول في أحاديث شخصية عميقة أو تقديم اهتمام مفرط لسلوكياتهم الدرامية.
تجنب تعزيز السلوك: لا تكافئ السلوكيات التي تهدف إلى جذب الانتباه بالاهتمام. قدم التقدير للسلوكيات المهنية والإنتاجية.
هل تتحسن الشخصية الهستيرية مع التقدم في العمر؟
نعم، تشير بعض الدراسات إلى أن بعض سمات اضطراب الشخصية الهستيرية قد تخف مع التقدم في العمر، خاصة مع بلوغ الأفراد منتصف العمر. هذا التحسن قد يرتبط بعدة عوامل، منها:
الخبرات الحياتية الناضجة: مع مرور الوقت، قد يتعلم الأفراد طرقًا أكثر تكيفًا للتعامل مع المشاعر وبناء العلاقات.
العلاج النفسي المناسب: العلاج المنتظم والفعال يمكن أن يساعد الأفراد بشكل كبير على إدارة الأعراض وتغيير الأنماط السلوكية.
وجود بيئة داعمة غير مستجيبة للسلوكيات الدرامية: إذا كان الأفراد محاطين بأشخاص يضعون حدودًا صحية ولا يعززون السلوكيات الدرامية، فقد يقل ميلهم إلى هذه السلوكيات.
هل يمكن أن يخلط الأطباء بين الشخصية الهستيرية واضطرابات أخرى؟
نعم، يمكن أن يحدث خلط في التشخيص بين الشخصية الهستيرية واضطرابات أخرى، خاصة اضطراب الشخصية الحدية (Borderline Personality Disorder - BPD) أو اضطراب الشخصية النرجسية (Narcissistic Personality Disorder - NPD)، لأن هناك بعض السمات المشتركة مثل السعي لجذب الانتباه أو التقلبات المزاجية. ومع ذلك، لكل اضطراب مجموعته الفريدة من المعايير التي يستخدمها الأخصائيون للتمييز الدقيق.
هل الشخصية الهستيرية تعني أن الشخص يتلاعب بالآخرين عمدًا؟
ليس بالضرورة أن يكون التلاعب عمدًا أو بنية سيئة. الأشخاص ذوو الشخصية الهستيرية غالبًا ما يتصرفون بدافع حاجتهم الشديدة وغير الواعية لجذب الانتباه والتقدير. قد لا يدركون أن سلوكياتهم تعتبر تلاعبًا. بالنسبة لهم، هذه هي الطريقة التي تعلموها للتفاعل والحصول على ما يحتاجون إليه عاطفيًا.
ما أهمية دعم العائلة والأصدقاء للشخص الهستيري في عملية العلاج؟
يلعب دعم العائلة والأصدقاء دورًا حيويًا في عملية العلاج، بشرط أن يكون دعمًا صحيًا وواعيًا. يمكن للمقربين المساعدة من خلال: تشجيع الشخص على الالتزام بالعلاج النفسي، وضع حدود واضحة وغير درامية، وتجنب تعزيز السلوكيات غير الصحية، وتقديم التقدير للسلوكيات الإيجابية. هذا الدعم الواعي يمكن أن يخلق بيئة أكثر استقرارًا تساعد على عملية الشفاء.
هل تشعر بالاستنزاف العاطفي بسبب محاولاتك المستمرة للتعامل مع الدراما والتقلبات المزاجية؟ وضع الحدود ليس أنانية، بل هو خطوة أساسية لحماية صحتك النفسية. خبراء "مطمئنة" يمكنهم تزويدك باستراتيجيات عملية وفعالة لوضع حدود حازمة والتعامل بذكاء. احجز استشارتك لتتعلم كيف تحمي طاقتك وتستعيد التوازن لحياتك.
المشاركة عبر وسائل التواصل الاجتماعي
شكراُ سيقوم الفريق بمراجعة التعليق ومن ثم نشره
تم الإضافة بنجاح
الشخصية الاعتمادية دليل شامل للتعرف على صفاتها وطرق التغيير الفعالة
2025/07/26
الانتكاسة في الإدمان دليل عملي للوقاية والتعافي الذكي
2025/07/26
اكتئاب المراهقين 10 علامات تحذيرية لا ينبغي للوالدين إهمالها
2025/07/24
الصدمة والإرث النفسي: كيف يصنع ظلّها الطويل أثره فينا
2025/07/20
حين يصبح الإصغاء بداية التغيير
2025/07/09
كيف نصنع روابط حقيقية تحفظ استمرارية علاقاتنا؟
2025/06/20
فن إدارة المشاعر
2025/06/19
ابدأ قبل أن تكون جاهزًا
2025/03/25
كيف تميز بين الشعور بالحزن الطبيعي والاكتئاب السريري؟