الصدمة والإرث النفسي: كيف يصنع ظلّها الطويل أثره فينا
الرئيسية مدونة مطمئنة
2025-07-20 الكاتب: أ. ندى الحربي
الصدمة والإرث النفسي: كيف يصنع ظلّها الطويل أثره فينا

 

أحيانًا لا يكون الثقل الذي نشعر به ملكًا لتجاربنا الخاصة، بل امتدادًا لصمتٍ قديم.
مشاعر كالقلق أو الخوف أو الانفصال الداخلي، قد تنشأ داخلنا دون حدث واضح يفسّرها، وكأن الجسد يحتفظ بأثر حياة مجهولة.

هذا ما بدأ العلم يفسّره من خلال مفهوم “الوراثة النفسية للصدمات”، حين تتجاوز التجربة من عاشها، وتستقر في الجيل التالي كأثر عاطفي وجسدي محسوس.
أي أنها قد تلتصق بمن نشؤوا في بيئات مضطربة دون أن يكونوا جزءًا مباشرًا من الحدث.

فالعلم يقول: الصدمات لا تختفي .. بل تُمرَّر.

في السنوات الأخيرة، بدأ مصطلح “الوراثة النفسية للصدمات” أو ما يُعرف علميًا بـ Epigenetic Trauma، يحظى باهتمام كبير في علم النفس العصبي.
والمقصود به: التأثير العميق للتجارب الصادمة على الجينات، بحيث تنتقل آثار هذه الصدمة عبر الأجيال، ليس بالضرورة كذكريات تجاه رواية الأحداث لهم أو مشاهدة ذكراها، بل كاستجابات جسدية ونفسية.

التجارب الحياتية، مثل التوتر، الإهمال، أو الصدمة، يمكن أن تُفعّل جينات معينة وعندما تمرّ تجربة صادمة جدًا (مثل الحرب، الفقد المفاجئ، الاضطهاد… إلخ)، تترك أثرًا بيولوجيًا يمكن أن يُورث، أي أن الجيل التالي قد يُولد بجاهزية أعلى للقلق، أو الحساسية، أو الاكتئاب دون أن يفهم السبب.

مثلًا، وجد الباحثون أن أبناء الناجين من الحروب أو المجاعات أو العنف الأسري، قد يعانون من قلق، فرط يقظة، أو حساسية تجاه الضغوط، حتى دون تعرضهم مباشرة لتلك التجارب!
والسبب: أن الصدمة “تُشفَّر” أحيانًا في الجينات، وتُمرر بطرق غير مرئية، لكنها محسوسة.

فقد تجد نفسك تتفاعل مع مواقف بسيطة بردود فعل عاطفية مفرطة؛ تشعر بالخوف دون خطر، أو بالذنب دون خطأ، وكأن جسدك يحتفظ بقصة لم تعشها.

في العلاج النفسي، نساعد الأفراد على فهم هذه الروابط بين التاريخ العائلي وحالتهم النفسية الحالية.
فأحيانًا، ما يبدو “شخصيًا” جدًا، يكون في الحقيقة “موروثًا” من تجارب لم تُنقّب، ولا زالت تعيش في العمق.

الشفاء يبدأ بالوعي

التعامل مع الوراثة النفسية لا يكون بالتجاهل أو اللوم، بل بالفضول، والتفهّم، وبناء مساحة آمنة لفهم الذات.
وفي كل مرة تفكّك فيها نمطًا عائليًا من التكرار أو الصمت أو الخوف، فأنت لا تشفي نفسك فقط، بل توقف انتقال الصدمة لجيل جديد.

إن كنت تشعر أن ما تمر به لا يشبه ظروفك، أو أن حزنك أعمق من حاضرك، فقد تكون تعيش صدىً لألم قديم ويستحق أن يُنصت له، ويُفهم، لا أن يُخجل منه أو يتم تجاهله والتعايش معه.

مع إيماني التام بأن الشفاء لا يعني نسيان الماضي، بل فهمه بما يكفي لصنع حاضر مختلف، ومستقبل متوازن.

المشاركة عبر وسائل التواصل الاجتماعي

حين يصبح الإصغاء بداية التغيير

2025/07/09

كيف نصنع روابط حقيقية تحفظ استمرارية علاقاتنا؟

2025/06/20

فن إدارة المشاعر

2025/06/19

اضطراب الشخصية الحدية الأعراض الواضحة وأحدث طرق العلاج النفسي

2025/06/18

دليلكم الشامل لفهم الاكتئاب الأعراض الأنواع وكيفية استعادة الأمل

2025/06/15

ابدأ قبل أن تكون جاهزًا

2025/03/25

كيف تميز بين الشعور بالحزن الطبيعي والاكتئاب السريري؟

2025/03/22

العزلة الاجتماعية وتأثيرها على الصحة النفسية

2025/03/22

أهمية التقدير الذاتي في الصحة النفسية: كيف تبني علاقة قوية مع نفسك؟

2025/03/22

أثر التحدث عن مشاعرك: كيف يساهم التعبير عن الذات في تحسين حالتك النفسية؟

2025/03/22

جميع الحقوق محفوظة © مركز مطمئنة - السعودية 2025