حقيقة نعيشها وواقع ملفت للجميع نلخصه في هذه الملاحظة :
(مسؤوليات متعددة وقلة من يلتزم بمسؤوليته ! )
ولعل هذا الواقع هو ما يقودنا للعديد من الأسئلة التي تدور حول:
الأسباب
والآثار
وطرق تنمية الشعور بالمسؤولية
إن المسؤولية هي استعداد الفرد الفعلي للقيام بالأعمال التي تنطوي تحت مهامه وأعماله وهي بذلك ترتكز على مبدأ هام وهو (الالتزام)
ولعل عقدة الالتزام هي المفهوم الذي يتجنب البعض ممارسته، ذلك لأن الالتزام في بعض الأحيان إن لم يكن أكثرها يجعل البعض يتخلى عن بعض من رغباته الشخصية أو يؤجلها لمسايرة أعباء الجماعة التي ينتمي إليها.
ولقد لاحظ بعض خبراء علم النفس أن البعض يتنازل عن شيئ من حريته حتى لا يتحمل مسؤولية تصرفاته وسلوكه مما يشير إلى أن القلق والخوف خلفية أساسية و مؤثرة في التنصل من تحمل المسؤولية .
إن الشعور بالدونية وانعدام الثقة بالنفس عامل مهم يتصدر مسببات عدم الشعور بالمسؤولية وعدم الرغبة في تحملها وتحمل تبعاتها.
إن توقع الفشل يعيق الفرد عن ممارسة تجاربه الحياتية باسترخاء وأمان، ومع مرور الوقت يبدأ ذلك الشخص بالانزواء عن محيطه والتواصل مع العالم الخارجي من خلال ذاته فقط دون تحديد وتفعيل دوره الفعلي تجاه المجتمع وأفراده.
إن الاخفاق في تحمل المسؤولية مشكلة مركبة فهي تتعدى التنصل من المهام إلى الإساءة للذات والآخرين من خلال تقليص المهارات الشخصية وتقديم الواقع بصورة مشوهة مزيفة تفتقد الكثير من المحاور الفعالة والأساسية .
إن تنمية الشعور بالمسؤولية يبدأ مع تربية الطفل الأولى من خلال تكليف الطفل بمهام مناسبة لعمره وقدراته مع تزويد الطفل المستمر بالمعلومات والمعارف التي تجعل المسؤولية بأبعادها وأشكالها منهج في الحياة ومبدأ انساني لتصميم أهداف الفرد وتنفيذها من خلال المشاركة والتبادلية بعيداً عن الأنانية والتمركز حول الذات.
إن تعويد الطفل الاستقلالية ومواجهة الحياة يجعله أكثر تقبلا لمستجداتها، كما تمنحه فرصة مهمة لاستكشاف مواهبه وقيمة وضرورة التواصل والتأثير الاجتماعي.
لقد صار التكاسل وتحميل الآخرين مسؤولية الأعباء الخاصة سمة مميزة لفئة كبيرة في المجتمع، حتى تحول الواقع إلى مجرد مهام مبعثرة مؤجلة ومعطلة.
إن اشكالية الكثير من المجتمعات لا تكمن في الجانب النظري والشعارات التي تنادي للمسؤولية وأدبياتها، وإنما يتلخص في الممارسات الفعلية وعدم إنزال المعنى على أرض الواقع.
ولعل الواقع يحكي ذلك من خلال حجم المهام الموزعة على من لا يحسن التطبيق وحسن التصرف والتنفيذ.
إن تحمل المسؤولية ليست مجرد خطوات وواجبات مهنية أو محددة بل هي قدرة تشتمل على الكثير من الأبعاد، ومنها:
احترام الذات وتقدير ميولها وإمكانياتها.
إدراك مدى احتياج الاخرين.
الكفاءة التي تمنح الفرد فرصة النجاح.
القدرة على صياغة الأهداف.
القدرة على اتخاذ القرار.
النضج الفكري والنفسي.
الثقة بالنفس.
القدرة على الاستقلالية في الفكر والمنهج والمشاعر والتصرف.
إن الإنسان بفطرته وتكوينه المميز يستطيع أن ينطق ما لديه بمجرد أن يحاكي دوره قدراته وميوله.
لقد أشارت الدراسات أن الشعور بالمسؤولية ينمو ويزداد كلما ارتفع معدل الدافعية والإنجاز لدى الفرد مما يؤكد على ضرورة تتبع وتكوين سلسة متتابعة ومترابطة من المفاهيم والقيم التي من خلالها يتشكل السلوك والتوجه الإنساني .
ومن هنا يتضح أن أزمة المسؤولية تدور حول:
قلة المعرفة حول أهميتها.
عدم تهيئة الفرد عليها أثناء عملية التربية.
النظرة الدونية للذات والشعور بعدم الاقتدار.
انخفاض مستوى المشاركة الوجدانية الاجتماعية
لقد أشارت الدراسات أن هناك ارتباطاً إيجابياً بين الشعور بالمسؤولية والتقدير الإيجابي للذات .
أي أن التخاذل عن القيام بالمسؤوليات لا يحقق للفرد الراحة أو الشعور بالأمان المزعوم والذي يبتغيه من وراء تحرره من قيود الالتزام المجتمعي .
إن إعادة وتصحيح مفهوم المسؤولية والتدريب على تنميتها في حس النشء والجيل المتطلع خطوة مهمة لاعتناقها نظريا وسلوكيا .
إن الشخص المسؤول هو المدرك الواعي لتحديات الحياة وهو الذي يرى في كل عقبة مصدر لتنمية مهاراته الشخصية لاستثمار دوره الشخصي المتميز في إدارة الحياة