يتمثل تقدير الذات لدى الطفل من خلال الصورة التي يكونها عن ذاته أما عن طريق تعامله مع والديه، أو الدائرة المحيطة به، وأيضًا على مدى شعوره بالأمان العاطفي الذي يمكنه من التعبير عن مشاعره، رغباته، احتياجاته
فإن الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة يدرك ذاته كشخص مرتبط مع والديه، فيقوم بتقليدهم في مجمل الأمور مثل السلوكيات التي تصدر منهم، ردات الأفعال، اللغة، كونه يشاهد ويعكس ما يراه منهم
"أي أن مفهوم تقدير الذات لديه متصل بعلاقته مع والديه"
وأثناء السنوات الأولى لدى الطفل يدرك تقديره الذاتي أيضًا من تفاعل الآخرين معه، من خلال مروره في الخبرات السابقة التي يبني منها ردات فعله البسيطة تجاه المواقف، فعندما يشعر بمشاعر التقبل أو الرفض تجاهه غالبًا ما يقوم بتعميمها لذاته، باعتبار أن مفهوم الإدراك لم يتكون لديه بشكل واضح
ثم بداية مرحلة الطفولة المتوسطة يبدأ الطفل تدريجيًا في إدراك ذاته كشخص مستقل عن والديه، وهنا تصبح المرحلة انتقالية لكلًا من الوالدين والطفل لما يصاحبها من تغيرات في المظاهر الفسيولوجية والنفسية والانفعالية، وهذه المرحلة تعتمد في المقام الأول على مدى تقبل الوالدين وعلى تقديمهم للمساعدة والدعم لخوض الطفل لهذه التجربة، والسماح له بإدراك وتقدير ذاته من خلال تقبلهم لمحاولات الرفض والعناد التي يصدرها الطفل لأوامر والديه، كمحاولة منه لإثبات ذاته
فإذا كانت اتجاهات الوالدين إيجابية داعمة يصبح لدى الطفل ما يسمى "بتقدير الذات الإيجابي"، أما إذا كانت اتجاهاتهم تتمثل نحو الرفض والإصرار على اتباع الطفل للأوامر وعدم إعطائه الفرصة للتجربة والاكتشاف، ينشأ هنا لديه ما يسمى “بتقدير الذات السلبي”
وعندما يمنع الطفل من حقه في التجربة بوضعه في مواقف مختلفة، تساهم في تنمية مهاراته الإدراكية باكتشاف الطرق للتعامل مع المواقف البسيطة التي يمر بها، بحجة أن تتم حمايته
هنا يفقد الطفل جزءًا كبير من ثقته وتقديره لذاته، لأن الثقة لديه تتكون من خلال إمكانية شعوره في قدراته، ومحاولاته لأن يكون لديه جانب مستقل من ناحية التعلم والمحاولة
:أهمية تقدير الذات
قام عالم النفس الأمريكي "أبراهام ماسلو" بوضع الحاجة إلى تقدير الذات في المرتبة الرابعة، والتي تعد من ضمن الحاجات الأساسية التي لها بالغ التأثير على الصحة النفسية للإنسان، لأنها تمكنه من وضع تصورات واضحة ومنطقية عن شخصيته وقدراته ومهاراته، وتعزز من التواصل الإيجابي الفعال مع ذاته والآخرين، وأيضًا على التعامل مع متغيرات الحياة بصورة أفضل
ولأننا نعلم أهمية اتباع تنشئة نفسية سليمة للطفل، أرغب في الحديث عن مجموعة من الأساليب الوالدية، التي تساهم في ارتفاع تكوين التقدير الذاتي لدى الطفل
:الأساليب الوالدية الداعمة
القبول للطفل كما هو لا كما ينبغي أن يكون
توفير بيئة أسرية مستقرة من خلال الشعور بالانتماء والأمان العاطفي، والحب غير المشروط
تجنب المقارنات والأحكام، أو وضع توقعات عالية
التزام سياسة واضحة في التربية وعادلة
التشجيع على تحمل المسؤولية المتناسبة مع قدراته والمرحلة العمرية التي يمر بها
الاستماع والتواصل الفعال مع الطفل، والذي يمكنه من اكتشاف وتحديد مشاعره ومهاراته، والذي يصل به في النهاية إلى تقدير الذات
توسيع البيئة الاجتماعية للطفل، ووضعه في مختلف المواقف والتجارب ليكتسب من خلالها أنماط صحيحة للتعامل مع المشاكل التي تواجهه، أما من خلال الملاحظة والتقليد أو التجربة
:وأرغب في النهاية بالتنويه
على أن عملية تقدير الذات، هي عملية مختلفة من طفل لآخر، ولا توجد طرق ثابتة لتكوينها
وقد يكمن التساؤل هنا لماذا؟ وكيف؟
:والجواب ببساطة
لأن كل طفل يختلف عن الطفل الآخر، والطرق التي قد تنجح مع الطفل الأول قد تفشل مع الطفل الآخر
لأن تقدير الذات مثل ما تطرقت له سابقًا يعتمد بشكل تام على نمط البيئة الأسرية، وعلى تعامل الوالدين وأطباعهم الشخصية والنفسية والاجتماعية، وأيضًا على صفات وخصائص الطفل وتكوينه الوراثي والمكتسب، بالإضافة للظروف المحيطة به، التي قد تساهم بالتأثير على تقدير الذات أما بالإيجاب أو السلب
.ومن هنا أؤكد على أهمية تنمية هذه المهارة ومراعاة الفروق الفردية
وجد عبدالحميد الصويان
أخصائية نفسية
19-9-2024