قد تمرّ على الإنسان لحظات ضاغطة أو صادمة، لكنه لا يبكي، لا يصرخ، ولا ينهار. يبدو هادئًا وربما حتى “قويًا” في نظر من حوله. يمارس يومه كالمعتاد، يعود لعمله، يرد على الرسائل، ويتابع المهام المؤجلة، وكأن شيئًا لم يكن.
لكن خلف هذا الهدوء الظاهري، قد يكون هناك تجمّد شعوري؛ حالة من الانفصال العاطفي المؤقت، حيث يتوقّف الجهاز العصبي عن التعبير الطبيعي، كآلية دفاعية لحمايته من حجم الألم.
يُعرف هذا النمط في العلاج النفسي بمفهوم Freeze response، أحد استجابات الدماغ للصدمات، بجانب “القتال” أو “الهروب”. التجمّد هنا لا يعني الشفاء، بل تأجيل الشعور. فتتكدّس المشاعر تحت السطح، وتتحوّل إلى ضغط داخلي صامت حتى تأتي لحظة صغيرة، غير متوقعة، فيتفجّر كل ما لم يُشعر به دفعة واحدة، على شكل نوبات بكاء، غضب غير مبرر، أو حتى أعراض جسدية مفاجئة.
هذا ما يُعرف في علم النفس بـ الانفجار العاطفي المتأخر (Delayed Emotional Release). ويحدث حين لا يُعطى الحدث وقتًا للمعالجة، أو حين يُطالَب الشخص بالتجاوز السريع، فيُدفَن الشعور بدلاً من التعامل معه.
من المهم هنا أن نُدرك أن الهدوء بعد الصدمة ليس دليلًا قاطعًا على التجاوز، كما أن الانفجار ليس دليلًا على الضعف. كلاهما استجابتان بشرية مفهومة، لكن واحدة تُخفي الألم، والأخرى تُفصح عنه.
العلاج النفسي، خاصة في مدارس مثل العلاج المعرفي السلوكي (CBT) والعلاج المتمركز على المشاعر (EFT)، يساعد على فكّ هذا التجميد الداخلي. ليس بالضغط على الشخص ليشعر، بل بتوفير مساحة تسمح بعودة الإحساس تدريجيًا، مع تفهّم السياق الشخصي والتاريخ النفسي لكل فرد.
ومع ذلك ..
ليس كل من بدا هادئًا هو على وشك الانفجار. فبعض الأشخاص يمتلكون آليات ناضجة للتعامل مع الصدمات، وقدرتهم على الاستيعاب تتشكّل من تجارب، دعم داخلي، ووعي متراكم. هؤلاء لا يظهرون الانهيار، لا لأنهم يتجمّدون، بل لأنهم بالفعل تجاوزوا. المهم هو أن نتحقق من الداخل، لا أن نحكم من الخارج.
شكراُ سيقوم الفريق بمراجعة التعليق ومن ثم نشره