مع التسارع المذهل في وتيرة الحياة المعاصرة، وفي ظل التحديات اليومية، وتعرّض الفرد للكثير من التفاعلات الاجتماعية والضغوط النفسية، كان لزامًا على الفرد أن يتمتع بقدر عالٍ من الإيجابية والتفاؤل والرضا والطمأنينة وهذه لا تأتي إلا إذا كان الفرد يحظى بمستوى متقدم من المناعة النفسية التي تحمي صحته النفسية وتجعل منه شخصًا قادرًا على التكيّف مع الظروف، والتعامل بحكمة ومرونة مع الأزمات التي تواجهه.
فما هو إذن مفهوم المناعة النفسية؟ وكيف تؤثر على جودة الحياة واستقرارها؟
يُعد مفهوم المناعة النفسية من المفاهيم الحديثة نسبياً، وفي البدء وقبل ان أتطرق الى مفهوم المناعة النفسية، أود التعريج على مفهوم المناعة الحيوية، وعليه يمكن أن نقيس مفهوم المناعة النفسية.
المناعة الحيوية تعني قدرة الكائن الحي على مقاومة عدوى معينة عن طريق عمل أجسام مضادة محددة؛ بمعنى امتلاك الحالة المتوازنة لـ ميكانزمات الدفاع الحيوي الكافية لمكافحة الأمراض أو أي غزو بيولوجي آخر غير مرغوب فيه، ويمتلك الجهاز المناعي استراتيجيات دفاعية رائعة تُمكنه من المحافظة على صحة الإنسان، أما المناعة النفسية فهي: بناء نفسي يشير إلى قدرة الإنسان على مواجهة الأزمات والكروب وتحمّل الصعوبات والمصائب ، ومقاومة ما ينتج عنها من أفكار ومشاعر غضب وسخط أو مشاعر يأس وإحباط وعجز وانهزامية. وفي اعتقادي الشخصي أن المناعة النفسية هي مدى كفاءة جهازك المناعي النفسي على مجابهة الظروف والأمور الطارئة والتعامل معها برويّة وتريث.
وتُصنّف المناعة النفسية إلى ثلاث مجالات رئيسة هي:
أبعاد المناعة النفسية:
اختلفت الدراسات النفسية في تحديد أبعاد المناعة النفسية، وذلك لما تشمله المناعة من قوى داخلية تحرك الإنسان إلى الرقي والسعي الدؤوب للوصول إلى المثالية. حيث يرى بعض الباحثين أن أبعاد المناعة النفسية تنقسم إلى ثلاث مجموعات..
تشتمل الأولى على: الأمور الإيجابية والنمو الداخلي وهي تصنف على النحو التالي: الكفاءات، التفكير الإيجابي، الشعور بالتحكم، والشعور بالاتساق وكذلك الشعور بنمو الذات.
أما المجموعة الثانية تمثل مجموعة التفاعل الاجتماعي، والإبداع وتصنف كالتالي: المراقبة الاجتماعية، مفهوم الذات الابتكارية، والتطبع الاجتماعي، وحل المشكلات، والفعالية الذاتية، وتوجيه الأهداف، والإبداع الاجتماعي.
أما المجموعة الثالثة هي المجموعة المتحكمة بالانفعالات الداخلية وتشمل: ضبط الاندفاع، والتزامن، والتحكم العاطفي، وضبط التسرع.
ويرى آخرون أن أبعاد المناعة النفسية تتمثل في: التفكير الإيجابي، ضبط النفس والاتزان الانفعالي، والصلابة النفسية، الثقة بالنفس، والتحدي والمثابرة، وكذلك المرونة النفسية والتكيف والتفاؤل.
خصائص المناعة النفسية:
من يتمتع بالمناعة النفسية تبدو عليه الكثير من الخصائص التي تعكس مدى جودة وكفاءة مناعته النفسية ومنها:
النموذج الخماسي للمناعة النفسية (PERMA):
يرجع هذا النموذج إلى عالم علم النفسي الإيجابي مارتن سليجمان والذي صاغه في نظريته عن " الرفاهة النفسية" ويأتي اختصار (PERMA) إلى الابعاد التي يتكون منها النموذج.
حيث يشير P الى الانفعالات الإيجابية Positive Emotions أي شعور الفرد بالاطمئنان والرضا والبهجة، والحرف E إلى الاندماج Engagement، أي ان الشخص يكون في حالة من الاستغراق والاستمتاع بالمشاركة في النشاط ويعرف بحالة تسمى التدفق ، أما الحرف R يشير إلى العلاقات الإيجابية مع الاخرين Relationship ومشاعر الحب والدعم والتقدير، والحرف M إلى المعنى، أي امتلاك الفرد أهدافاً في الحياة وشعوره بقيمتها وأنها جديرة بأن تُعاش، والحرف A يشير إلى الإنجاز Achievement، حيث يعني القدرة على استكمال المهام والمسؤوليات اليومية بما يضمن العمل في الوصول باتجاه الهدف.
إذًا وفي ضوء ما تقدم يتضح لنا ما هو مفهوم المناعة النفسية وماهي أبعادها، وكذلك الخصائص المميزة لمن يتمتعون بمناعة نفسية قوية، أيضا تطرقت بشيء من الإيجاز إلى نموذج العالم مارتن سليجمان.
في النهاية أرى أنه من الضروري أن يحرص المرء على تعزيز مناعته النفسية من خلال التوكل على الله أولاً، ومن ثم التفكير بطريقة إيجابية مفعمة بالتفاؤل والرضا والصبر والطمأنينة، وكذلك التعامل بحكمة وهدوء وتعقّل اثناء مواجهة التحديات.
ودمتم بخير
شكرا دكتورة