منذ الخَلق، وضع الله سبحانه وتعالى (شاكلةً للشيء أو ضدّه)؛ فخلق حواء لآدم، وخلق زوجين من الحيوانات، وخلق أراضٍ وسماوات.
وأودع الداء والدواء، والفرح والحزن، والشدة والرخاء، وكذلك الألم. فالألم منعطفٌ للحياة البشرية، بل قائمٌ عليها.
فمن طبيعة الحياة وصحتها أن نشعر بالألم، ظاهرًا كان أو خفيًّا، بل حتى في مبتغاه ورسائله.
للألم أشكالٌ كثيرة، منها العضوية والنفسية، وأخصُّ بالحديث هنا آلامنا النفسية، سواءً كنا قد وصلنا إلى حدّ المرض، أو أننا لا نزال نقف على أعتابه. فالمكتئب يسأم سوداوية الحياة وقتامتها، والقَلِق يهلع من غيبية الحياة وثقل المجهول.
كما أن آلامنا النفسية تتداخل مع الجسد؛ فالآلام المزمنة مع الوقت تورث الحزن، والحزن مع الوقت يورث الآلام المزمنة، وهكذا… إذ إن النفس والجسد متصلان اتصالًا وثيقًا؛ فالقلق يسبب توترًا عضليًا وآلامًا جسدية مزمنة، والذين مرّوا بصدمات سابقة قد يعانون من آلام جسدية غير مبررة طبيًا.
وتفسير ذلك يعود إلى أن الدماغ يعالج كلا النوعين من الألم (النفسي والجسدي) بآليات متشابهة، وهذا ما يفسر لماذا يظهر الألم النفسي على هيئة أعراض جسدية غير مبررة طبيًا.
كأن الألم يصبّ في مجرى واحد… كأنه يحمل رسائل رنانة، فإن لم يُصغَ له، ظهر بشكلٍ صارخ.
إذًا الألم بشكل عام هو استجابة بيولوجية لإصابة أو مرض، لكن الألم النفسي أكثر تعقيدًا، إذ يتجسد في مشاعر مثل الحزن، الوحدة، الفقدان، والخذلان.
وكما قيل:
إذا كان للأوجاع صوتٌ مدوٍّ .. لَما نامَ قلبٌ في الدُّجى مُستكينَا
فَهذا الأسى سُنَّةُ العيشِ فينا .. وكُلُّ امرئٍ حَملَ الجُرحَ حِينَا
فالألم سنةٌ كونية، لا يخلو منه أحد، لكنه أيضًا معلمٌ قاسٍ يصقل أرواحنا ويجعلنا أكثر فهمًا للحياة والنفس.
لماذا يختلف الشعور بالألم من شخص لآخر؟
هناك ما يُسمّى “عتبة الألم”، وهي الحد الذي يبدأ عنده الشخص في الشعور بالألم.
وهذه العتبة تختلف من فرد لآخر لأسباب عديدة، منها:
• العوامل الجينية
• العوامل النفسية
• الخبرات السابقة
ولأن الألم جزء لا يتجزأ من طبيعة الحياة، فعلينا رفع هذه العتبة. وهذا ما يُستخدم في العلاج النفسي، حيث يتم تعريض المريض تدريجيًا لأشدّ حالاته القلقة حتى يبدأ بألْفَة هذا الألم، فيتمكن من مواجهته بالتعقل والرحمة، ويزداد قوة في مجابهته.
لذا، فإن الإصرار على رفض الألم ورفض الواقع لا يُنتج سوى مزيدٍ من الآلام المتداخلة بين النفس والجسد،
ولهذا تحديدًا شُرِع في ديننا الإسلامي الرضا بالقضاء والقدر، وهي مرتبةٌ عظيمة لا نصل إليها إلا بعون الله وتوفيقه.
كيف نتعامل مع آلامنا؟
إن للقبول هالةً عظيمة، قبولُ مرور الأشياء دون محاولة إنعاش الموقف أو إعادته، دون الوقوف على الأطلال والندب على ما فات. ولا بأس بالحزن، لكن لا ينبغي أن نعوّل عليه.
من الأمور التي تساعد على القبول:
• التفريغ العاطفي
• رؤية الواقع بمزاياه وعيوبه
• وجود قيم ومعانٍ تعطي الحياة بُعدًا أعمق لمواجهتها رغم ألمها
• ترسيخ مفهوم الحياة بصورتها الطبيعية، دون توقع مثاليات مستحيلة
• تصحيح الرؤية والأفكار، وتنقيتها من المغالطات المعرفية.
ختامًا، الألم ليس عدونا، بل هو رسولٌ يحمل إلينا حقائق عن أنفسنا وعن الحياة. إنه جزءٌ أصيل من التجربة البشرية، وحين نتعلم كيف نتعامل معه لا يعود سلاحًا ضدنا، بل جسرًا للنضج والنمو.
شكراُ سيقوم الفريق بمراجعة التعليق ومن ثم نشره